كان من أسلم من كل طبقة منهم غريبا في حيه , غريبا في قبيلته

ذِكْرُ الْغُرَبَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْصَافِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ هُمْ فِيهَا
٩ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» ؟ قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ أَدْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ , يَهُودٌ وَنَصَارَى وَمَجُوسٌ وَعَبْدَةُ أَوْثَانٍ , فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْهُمْ غَرِيبًا فِي حَيِّهِ , غَرِيبًا فِي قَبِيلَتِهِ , مُسْتَخْفِيًا بِإِسْلَامِهِ , قَدْ جَفَاهُ الْأَهْلُ وَالْعَشِيرَةُ , فَهُوَ بَيْنَهُمْ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ , مُحْتَمِلٌ لِلْجَفَاءِ , صَابِرٌ عَلَى الْأَذَى , حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِسْلَامَ , وَكَثُرَ أَنْصَارُهُ وَعَلَا أَهْلُ الْحَقِّ , وَانْقَمَعَ أَهْلُ الْبَاطِلِ , فَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي ابْتِدَائِهِ غَرِيبًا بِهَذَا الْمَعْنَى , وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَسَيَعُودُ غَرِيبًا» مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ الْأَهْوَاءَ الْمُضِلَّةُ تَكْثُرُ فَيَضِلُّ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَيَبْقَى أَهْلُ الْحَقِّ الَّذِينَ هُمْ عَلَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ غُرَبَاءَ فِي النَّاسِ لِقِلَّتِهِمْ , أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةٍ , كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ , فَقِيلَ: مَنْ هِيَ النَّاجِيَةُ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي , وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ , وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَ لَكَ بِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامِّهِمْ, فَإِنَّ فِيهِمْ أَيَّامُ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ.
ئەثەری دواتر ئەثەری پێشووتر