وكأنه بمعزل من الدنيا لم يفز منها ما يستنبط مبهم مكنونه

بَابُ الْفَقْرِ
٤٥٣ - قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَا رَأَيْتُ الْحَزَامَةَ فِي الرَّأْيِ الْبَعِيدِ مَسَافَةَ النَّظَرِ اللَّطِيفِ فِي الْعِلْمِ بِغَوَامِضِ الْأُمُورِ حَدَثًا مِنَ التَّعَضُّلِ مُوحِشَ الْجَوَانِبِ مِنَ الْعَدَمِ قَدْ عَفَى عَلَى حُسْنِ تَدْبِيرِهِ تَعَذُّرُ الْأُمُورِ عَلَيْهِ , وَأَخْلَقَ عَقْلَهُ الْإِقْتَارُ , وَكَأَنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَفُزْ مِنْهَا مَا يَسْتَنْبِطُ مُبْهَمَ مَكْنُونِهِ , وَلَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهَا عَلَيْهِ فَيَفْهَمُونَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ أَرْضُونَ تَجُولُ فِيهَا الْأَبْصَارُ , وَمَنْ عَمَّرَتْ بِهِ الدُّنْيَا بِزَبْرَجِهَا أَبْهَجَ النَّاظِرَ بِالْتِفَافِ حَدَائِقِهِ , وَعَمُرَ مَرْعَاهُ مِنَ الرَّاتِعِينَ فِيهِ , فَاتَّقَى الْمُتَأَمِّلِينَ لَهُ بِعَمِيمِ نَبْتِهِ وَقَدْرِ مَجْنَى ثَمَرِهِ , وَإِذَا تَعَطَّلَ الْكَامِلُ عَنْ عُمْرَانِ الزَّمَانِ وَضَرَبَ عَزَالَى الْأَيَّامِ أَقْفَرَتْ بِقَاعُ عِلْمِهِ وَأَجْدَبَ مَكَارِمَ حَدَائِقِهِ , وَإِنْ كَانَ كَرِيمَ الْمُسْتَنْبَطِ عَطِرَ الْمُسْتَثَارِ , وَإِنَّمَا قَايَسَ عُنُونَ الْهَوَامِّ بِمَا أَبَقَ مِنَ الْمَنَاظِرِ بِوَحْشَةِ الْبَلَدِ الْخَالِي مِنَ الْعِمَارَةِ.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن أحسن الكلام كلام الله عز وجل

سمعت أبي يقول قال عبد الله بن المبارك، وذكر هذه الأبيات

أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء فمن هذه الأربعة الأهواء تشعبت الاثنان وسبعون